Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
20 février 2010 6 20 /02 /février /2010 00:07

 

قد يفهم من النمذجة، أن النموذج هو مجرد حلقة في مسار النمذجة،أو هو مجرد تجسيد لمشروع نظري أو تطبيق لنظرية مما يوحي بأن النموذج تمثيل حسي أو شكلي لنظرية تم إنتاجها سابقا، مثل هذا الفهم يبدو تبسيطيا وسطحيا وفق ابستيمولوجيا النمذجة، إذ أنّ النموذج سواء كان إيقونيا رمزيا أو صوريا، أو تصميما هندسيا يفهم على أنه نبع معرفة وليس نتاج المعرفة فهو لا يصف أو يعرض معرفة/موضوع وكأنه مجرد مثال، فهو يقدم معرفة/مشروع بصورة ماقبلية والتي لا توجد بشكل مستقل أو لنقل أنّ النموذج يوجد معرفته الخاصة،إذ تنتج المعرفة/المشروع وتتمثل بواسطة تصور النموذج وليس بالتحليل. وعلى هذا الأساس فإن طريقة بناء النموذج لا تتبع منهجا تحليليا (تحليل فاستنتاج) وطرق بيان صلاحية نموذج لا تكون من نمط الفرضي الإستنتاجي التجريبي،إذ يتبع في بناء النموذج طريقة [ projective/systémique] البرمجة والتي تفيد القصد ـ التصور وطرق إثبات المشروعية تكون أكسيومية أو شبه أكسيومية استقرائية تداولية أو براغماتية، إذ على المنمذج أن يحدد مشروعه (مصادراته، نظريته في المعرفة) وأن يتوافق على أنّ المعرفة التي يمثلها هي تجسد وفعل معرفيين أو عرفانيين، وهو ما يؤكد أن النموذج ليس مجرد تمثيل حسي لنظرية بل ينبغي النظر إليه بما هو نظرية تبنى عقليا وتتميز ببنية مركبة مادامت تضم في آن بعدا تركيبيا وبعدا دلاليا وآخر تداوليا، والحقيقة أن علاقة النموذج بالنظرية هي علاقة ملتبسة من خلال العودة إلى مواقف المهتمين بالنمذجة والقائمين بها، فإذا كان لوموانيو في كتابه الإنشائية أو البنائية يشدد على ضرورة النظر إلى النموذج بما هو نظرية، بما أنه تصور أو تمثل مثالي للواقع وليس مجرد تبسيط أو رسم اختزالي يجسد النظرية، ذلك أن بناء النموذج يحتاج

إلى تصور ما قبلي عقلاني يحدد الأسس النظرية، وإلى تحديد ضرب من التأويل يصل هذه الأسس بواقع جهوي افتراضي ، وإلى ضبط جملة الأهداف التي تحكم بشكل قبلي إنتاج النموذج بما هو مشروع، فإن مولود في مقاله المدرج ضمن الموسوعة الفلسفية يؤكد أن النموذج هو نتاج نظرية وحامل لنظرية والعلاقة بين النموذج والنظرية هي علاقة جدلية طالما أنّ النظرية هي التي تحدد إنتاج النماذج في نفس الوقت الذي يؤثر النموذج بحكم التجارب حتى وإن كانت افتراضية في النظرية مما يفيد أن النمذجة تؤكد الطابع المفتوح للنظرية والطابع المرن للنموذج، لمزيد فهم العلاقة بين النموذج والنظرية، يجدر بنا استحضار شكل العلاقة بين النمذجة والتجريب وبيان دلالة التجربة ومنزلتها في عملية النمذجة ذاتها.

· النمذجة والتجريب:

" بتوسط النموذج ترتبط النظرية بالتجربة" على حد عبارة لادريار في كتابه رهانات العقلانية، إذ يمكن أن تقترح التجربة تعديلات على النظرية / النموذج كما يمكن أن تؤول النتائج التجريبية في حدود النظرية وبذلك يعدّ النموذج وسيلة أو وسيطا لا ينبغي أن يتم الخلط بينه وبين الواقع، إذ "أنّ الخريطة ليست الأرض"، كما أنّ التجربة لا ينبغي أن تفهم على معنى خبري أو بما هي منطلق البحث ومنتهاه على غرار التجريب في البراديغم الوضعي، فالتجربة يمكن أن تكون عفوية أو مثارة، ويمكن أن تكون مخبرية أو افتراضية، ومن المؤكد أنّ معيار صلاحية نموذج ما لا يتحدد بالواقع المعطى وإنما بالتناسق والانسجام داخل بنية النموذج النظرية من ناحية وبفعالية النموذج من جهة براغماتية أو تداولية من جهة أخرى، إذ تفترض عدم قابلية النموذج للتحقق واقعيا عجز الواقع المباشر على استيفاء النظرية، أو أنّ النموذج يتسم بعقلانية أكبر مما يكون عليه الواقع المعطى، فضلا على أن بعض التجارب تبدو مستحيلة بالنظر إلى الكلفة الباهضة للتجارب، وهو ما يؤكد أيضا أن معيار صلاحية النموذج إنما تتحدد بضرب من المواضعة أو الاتفاق بين المجموعة العلمية، وحتى "إن كان البناء مستمدا في جانب منه من المعلومات المسبقة عن خصائص المواضيع فإن النموذج يعيد تشكيلها انطلاقا من مقولات خاصة".وفق قول لادريار

العلاقة مع الواقع تقوم على الفرضية لا بمعناها الكلاسيكي الذي جعل منها إمكانية للتحقق عيانيا أو تجريبيا، وإنما هي افتراض أي أنّ النموذج لا يخضع للفصل الكلاسيكي بين النظر والنظرية بل يقيم تشابكا [imbrication] بين النظر والفكر فيكون أداة النظر la visibilitéوأداة التعقل l’ intelligibilité لهذا الواقع الافتراضي virtuel. فالمفهوم الأساسي الذي تقوم عليه عملية النمذجة هو مفهوم التعقلية الذي يمكن من نمذجة الأنساق المعقدة وحل مشاكل الواقع.

· النمذجة والتفسير أو الفهم:

ترتبط النمذجة بالملاحظ المبتكر [OBSERVATEUR CONCEPTEUR ]، ويؤكد لوموانيو أن المعرفة المبنية أو المنمذجة ذات طبيعة فينومينولوجية، والتي بموجبها لا يمكن أن نفصل بين الذات العارفة والظاهرة موضوع المعرفة، أمّا الفرضية الثانية فمن طبيعة تيلولوجية(تدرس التيلولوجيا نظام الغايات أو نسق الأهداف) تتصل بالهدف الذي يحرّك الذات العارفة لمعرفة ظاهرة أو موضوع ما. تنظر هذه المقاربة الإبستمولوجية إلى المعرفة بما هي "معرفة فاعلة " على حد عبارة لوموانيو ، بحيث لا ينبغي البحث عن التفسير وإنما عن تمثلات يمكن لنا إبداعها.

يفيد الفهم الإنجاز [ أنا أفهم يعني أنا أنجز أو أجسد] على حد عبارة لادريار. فعوض أن نفرض على النموذج مهمة تفسير الكون (ميكانيكي أو سببي أو ديناميكي أو طاقي) ، يمكننا أن نبني وأن نشرع النظر إلى العمل العلمي [النمذجة] بما هو نماذج للفهم (روني توم) أو بما هو وسائط للعقلنة (سوزان بشلار)، أو بما هو تمثلات إجرائية يمكنها أن تلعب دور الفعل، " لم أعتقد أبدا في التفسير" على حد عبارة بول فاليري والذي يضيف

"ولكنني اعتقدت في ضرورة البحث عن تمثلات على أساسها يمكننا أن نفعل، كما لو كنا نشتغل على خريطة، أو كما يشتغل المهندس على رسم منجز... والذي يمكن من الفعل".

· النمذجة والحقيقة:

تقترح ابستيمولوجيا النمذجة معرفة بوصفها تمثلا، أو نموذجا يسمح لنا الفهم الذي يقدّمه لنا بشأن ظاهرة ما الفعل فيها طالما " أنّ الحقيقي هو الفعل ذاته " أو طالما " أنّ الحقائق ليست أشياء تكتشف وإنما أفعال نقوم بها، إنها أبنية وليست كنوزا".

على غرار فلسفة ما بعد الحداثة، فإنّ هذه المقاربة قد تتهم بالنسبية العدمية، وقد تفهم على معنى تأكيد النزعة الريبية في العلم والمعرفة العلمية وقد تربك صورة العلم التي عاشرتنا طويلا، وهو ما يستبعده دعاة النمذجة والمدافعين عن مشروعيتها، إذ يعتبرون أنّه إذا لم يكن بالإمكان تأسيس اليقين الذي يسمح لنا بإنتاج معرفة حقيقية، فإنه بالإمكان في نظرهم إنتاج معرفة على صورة السنفونية أو اللحن الموسيقي الطويل المركب،فلا يمكننا وفق هذه المقاربة الحديث عن المعرفة وكأنها بناء معماري تكون قاعدته صخرة ثابتة عليها تتأسس المعرفة الحقيقية ولكن يمكننا أن نقيم مباحث متعددة تترابط فيما بينها وتنتج معرفة مختلفة في دلالتها عن التصور الكلاسيكي للمعرفة.وهو ما يشرع لحلول المعنى بدل الحقيقة أو النظر إلى الحقيقة بما هي إمكان، أو حكم عرفاني مفتوح ومرن وأن معيار هذا الحكم هو الانسجام الداخلي والفعالية، وهو ما يتأكد من خلال قول بياجي" لا نعرف موضوعا إلا بالفعل فيه وتحويله" وعلى هذا الأساس تنظر إبستيمولوجيا النمذجة إلى الواقع الموضوعي انطولوجيا، الواقع في ذاته، بوصفه حدّا يستحيل بلوغه، أمّا الواقع الذي نريد تعقّله فهو عبارة عن تمثّل، بحيث تحل البينذاتية محلّ الموضوعية،المعنى محل الحقيقة، والفهم محل التفسير وبهذا المعنى تقترح النمذجة تجاوز النقائض الكلاسيكية بين المثالية والخبرية بين الذات والموضوع،بين النظري والتطبيقي، بالسعي إلى إنتاج معارف مجدية أو قابلة للتجسيد وتراهن على العلوم التطبيقية أو المطبقة.

تفترض إبستيمولوجيا النمذجة إذن تصورا مغايرا للمعرفة وشروطها ومعاييرها عما كانت عليه في المقاربة الوضعية، إذ لا شك أنّ مثل هذه المقاربة تتعارض مع الإبستيمولوجيا الوضعيةـ الواقعيّة والفرضيّة الأنطولوجيّة التي تقوم عليها والتي تقرّ بأن للواقع وجودا موضوعيا مستقلا ومع الفرضية التي تقر بمبدأ الحتميّة أي وجود علاقات موضوعية ضرورية وثابتة تحكم الظواهر وكأنّ نظام الطبيعة الذي ينتجه العلم ليس إلاّ النظام المعطى الذي نكتشفه بواسطة المنهج العلمي.

 

 

 

نظرية المعرفة

المنهج

النموذج

براديغم معرفة موضوع

عن طريق التحليل ( الفرضي الاستنتاجي التجريبي)

نموذج التفسير

براديغم معرفة مشروع

عن طريق التصور(الأكسيوماتيكي الاستقرائي البراغماتي)

نموذج التأويل والفهم نموذج التمثل الإجرائي

· الأساس الإبستيمولوجي للنمذجة

تتنزل النمذجة ضمن مقاربة إبستيمولوجية بنائية، فماذا نعني بالبنائية؟

تمثّل الإبستمولوجيا البنائيّة تيّارا إبستيمولوجيّا يؤكّد الخاصّية البنائيّة و المبنيّة للمعرفة، وبالتالي للواقع. ويردّ هذا التيار تاريخيّا إلى جان بياجي، الذي يعد أوّل من استخدم مصطلح البنائية وعرضها بوصفها مقاربة إبستيمولوجية منذ سنة 1967 في مقال بعنوان " المنطق والمعرفة العلمية" لذلك عدّ أب البنائية والمحدث لقطيعة مع الأفكار التي تعتبر أن المعرفة العلمية تكتسب عن طريق الكشف والاكتشاف،إذ تعرّف الإبستمولوجيا مع بياجي بما هي " دراسة إنشاء المعارف الصحيحة أو المشروعة" كما نجد للبنائية حضورا مع بشلار الذي أكد أنّ" لا شيء معطى، الكلّ منشأ" طالما أنّ المشاكل العلميّة لا تطرح بذاتها، إذ تكون المعرفة العلميّة بالنسبة للروح العلمي في تقديره إجابة عن سؤال أو مشكل وبالتالي ففي ظل غياب الأسئلة لا مجال لإمكان قيام معرفة علميّة، وكأنّنا به يعتبر "أنّ الدرب تنتجه الخطوات".

ولعلّ ما يعرف اليوم "بالعلوم الاصطناعيّة" على غرار علم التحكم أو السيبرنيتيقا، وعلوم التنظيم والقرار، والتي لا تجد لنفسها موقعا في الإبستمولوجيا الكلاسيكية التي ترى في العلم نتاجا للتجربة، ما يؤكد قيمة الإبستمولوجيا البنائية، كما أنّ مبدأ اللاتعيّن الذي أنتجته فيزياء الكوانتا ما يدعّم هذه المقاربة.

· القيمة الإبستمولوجية للنمذجة

تقوم النمذجة على رؤية نسقية للأحداث والظواهر والنظم، فكلّ الظواهر سواءً كانت طبيعية أو إنسانية نظام من العلاقات والقوانين التي يمكن تمثلها ودراستها، فتكون النمذجة وفق ذلك هذا التمشّي الذهني المميّز للعلم والمتمثّل في تحديد المفاهيم التي تمثل الظاهرة والعلاقات التي تربط بينها والقوانين التي تحكمها. فإذا ما أقررنا بأنّ العلم "لا ينشأ إلاّ بنشأة موضوعه ومنهجه"، وأنّ الظواهر العلمية ظواهر منشأة، والتمييز تبعا لذلك بين مادّة المعرفة وموضوع المعرفة أمكن القول بأنّ العلم لا يفكّر إلاّ من خلال ما ينتجه من نماذج.

وتنكشف أهمّية النماذج في العلم بصفة خاصّة حينما يتعلّق الأمر بدراسة ظواهر لامتناهية في التعقيد يكاد يستحيل التعامل معها بشكل مباشر، ممّا يقتضي مقاربتها من خلال ما يبنيه الذهن من نماذج تكون تمثيلا وتصوّرا لها. فالنموذج العلمي بهذا المعنى هو إحلال "اللامرئي البسيط محلّ المرئي المعقّد"، وهو ما يكشف عن دوره العرفاني والإجرائي في ذات الوقت؛ "ففي غياب نموذج ذي دقّة متناهية يمسي الفكر ذاته فاقدا للدّقة وتكون النتائج المستنبطة من النموذج ملتبسة".

وتتأكد القيمة الإبستيمولوجية للنمذجة حين نتبين أنّها لا تختزل في مجرّد إنتاج النماذج بما هي واسطة بين النظرية والواقع أو بما هي تمثيل فيزيائي أو رمزي للظواهر بهدف التبسيط والتوضيح، أو بما هي أدوات استكشافية، وهو ما يتجلّى بصفة واضحة في الإنتاج العلمي منذ بداية القرن العشرين. فوجه الجدّة في اعتماد النمذجة في مقاربة التفكير العلمي المعاصر تتحدد وفق الأبعاد التالية:

أ.بما هي تمشٍّ ذهني مميّز للعلم يتجسّد في إنتاج النماذج. (البعد النظري- العرفاني)

ب. بما هي بناء للعالم من خلال بناء الفكر، ذلك أنّ "الفكر في تنظيمه للعالم يعيد تنظيم ذاته" كما يشير إلى ذلك بياجي.(البعد التصوّري- البنائي)

ج. بما هي استعمال للنماذج.(البعد العملي- التداولي)، أو بما هي معرفة ذات منحى عملي، فلا وجود لنموذج في ذاته، وكلّ نموذج هو نموذج لشيء ما وبغاية ما وفي سياق محدّد يجب أخذه بعين الاعتبار.(البعد الغائي- البراغماتي)

د.بما هي تفكير في طبيعة التفكير العلمي ومساءلة له؛ حيث "تجد النمذجة دعامتها في تمشٍّ استشرافي ونقديّ للمعرفة". (البعد الميتاعرفاني- النقدي)

ويتجلى وجه الجدة أيضا في التحديد المغاير لمفهوم النموذج وذلك بتجاوز النظرة الأنطولوجية والوضعية التي تختزله في تصوير واقع معطى في صورة تصميم أو تجسيم مصغّر (تمثيل تناظري)، أو في صورة رياضية (تمثيل رقمي)، نحو نظرة بنائية.

يقوم التصوّر البنائي للنموذج:

أوّلا، على اعتبار أنّ الأهمّ في بناء النموذج ليس التحليل (النمذجة التحليلية استنادا إلى قواعد المنهج الديكارتي) بل التصوّر (النمذجة النسقية استنادا إلى المنهج البنائي: المعرفة بناء).

ثانيا، تجاوز التصوّر الوضعي الذي يعرّف النموذج من جهة أنّه تمثيل لظاهرة في لغة رياضية ومن ثمّة اختزال النمذجة في الصورنة، إلى تصوّر بنائي نسقي مركّب ينظر إلى النموذج في لغاته المختلفة حيث يمكن للنموذج أن يعتمد لغة طبيعية أو رمزية تجسيمية Iconique إلى جانب اللّغة المنطقية الرياضية، كما يمكن للنموذج الواحد أن يحتوي لغات مختلفة.

ثالثا، تجاوز المقاربة الموضوعية التحليلية التي تقوم على عزل النموذج وتجزئة الواقع،إلى مقاربة نسقية إدماجية تقوم على ربط النموذج بالنسق وبالفاعلين فيه.

رابعا، تجاوز الحياد الموضوعي المزعوم للنموذج الآلي.

وهو ما يعني أنّ حضور النموذج في العلم متعدّد الأوجه، من جهة النظرية التي يعبّر عنها والمرجع الذي يحيل عليه، والغاية التي يصبو لها.


Partager cet article
Repost0

commentaires