Overblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
22 avril 2010 4 22 /04 /avril /2010 15:04

الأستاذ عماد الحاج ساسي

إنّ الزخم الأصلي للمسرح وإلهامه الأول أنّه كان احتفالا على حد عبارة ونّوس نفسه ، ومعنى الاحتفال هنا أنّه فرجة تتم من خلال عرض حيّ يتم فيه التفاعل بين الممثلين والجمهور بواسطة تلك الشروط الجمالية التي يكون بها المسرح مسرحا وهي اللعب الدرامي وما يصحبه من تجسيد ركحي بالمظهر والانفعال والأقوال وما يحفّالفرجة المسرحيّة وطابعها الاحتفالي في " مغامرة رأس المملوك جابر"

به من لعبة الأضواء والظلال ومؤثرات صوتيّة كالموسيقى التعبيريّة و ما يؤطره من تركيب للديكور كل ذلك هو المؤسس للطابع الاحتفالي للمسرح ودونه نكون أمام نصّ موات كأنه جثة هامدة وما يبعث فيها الحركة ويضخّ فيها الدماء هو تلك العناصر التي ألمعنا إليها.
• لعبة الأضواء والظلال :
تساهم في إشاعة أجواء درامية في المشهد المسرحي وتجعل المتفرج منشدا إليه انشداد يدفعه إلى التأمل في ما يجري على الركح ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في الإشارة الركحية التالية:
(يخفت الضوء في القاعة ، بينما يشتد على الكرسيّ الذي يجلس عليها الحكواتي سيتم المنظر على شكل تمثيل إيمائي وطقسي فالحركات ذات إيقاع بطيء يزيدها صمت الممثلين ثقلا حتى لتصبح شبيهة بطقوس غامضة وسحريّة تمتزج الحركات بكلام الحكواتي وتشكل معه ما يشبه اللحن الحزين)
• الديكور:
- غير ثابت وإنّما متنقّل : ( يَخْرُجُ السَّيَّافُ حامِلاً معَهُ الدِّيكور)
- بسيط :(يدْخلُ مُمثِّلان يحْمِلان قِطَعَ ديكورٍ بسيطةٍ جدًّا، تُمثِّلُ ما يُشْبِهُ رِواقًا في قصْرِ بغْداد. ويُمْكن هنا وفي كلِّ المشاهدِ التَّاليةِ الاستعاضةُ عَنْ قطعِ الدِّيكورِ بلوْحاتٍ مرْسومةٍ)
• الإشارات الركحية ووظائفها:
تقديم الشخصيّات (من حيث ملامحه الماديّة أو طباعها المعنويّة ) ومن الشواهد على ذلك تقديم شخصيّة الوزير (الوزيرُ تجاوَزَ الأربعينَ، وهو بَدينٌ، وفي تقاطيعِ وجههِ لؤْمٌ قديمٌ ومُزْمِنٌ. مُنْقبضُ الأساريرِ، يَمُورُ في عينيْهِ حقدٌ كظيمٌ.. يبْدُو شديدَ القلقِ والانفعالِ..)
• الحـوار المسرحي ووظائفه :
أ - الكشف عن أبعاد الشخصية : أفكارها – نوازعها – عواطفها – طبائعها والشواهد على ذلك كثيرة في المسرحيّة منها الحوار الدائر بين جابر والوزير فهو يكشف عن طبيعة الشخصيّتين المتحاورتيْن :
الوزير : حَانَت اللَّحظةُ يا جَاِبرُ. لحظةٌ لنْ ينْسَاهَا لكَ لاَ وزيرٌ ولاَ أميرٌ ولاَ مُؤرِّخٌ في بغْدَادَ.
جابـر : يُبْهِجُ القلْبَ ألاَّ ينْسانِي سيِّدُنا الوزيرُ. أمَّا الآخرونَ فلاَ شأْنَ لي بِهِمْ. أيَأْمُرُ سيِّدي ممْلوكَهُ بالرَّحيلِ؟
ب - الكشف عن أساس المسرحية وأبعادها : عرض المشكل وطبيعة الصّراع
ج – الكشف عن الأحداث المقبلة.ولعلّ أبلغ مثال على ذلك الحوار الدائر بين الوزير وعبد اللّطيف
يقول الوزير :" ولكنَّ الجيشَ الغازي يأْتِي ليَحْميَ مصالحنا، ويُجَهِّزَ لنا كُرْسِيَّ السُّلطةِ. فماذا يهمُّنَا بعد ذلك! بالتَّأكيد سيكونُ هناكَ خرابٌ. لنْ يدخلَ الجيشُ بالدُّفوفٍ والغناءِ، ولنْ يُوَزِّعَ الورودَ والعطورَ. هذه حربٌ.. سيقتلونَ. ويُخرِّبون. طبْعا لنْ يبْقَى مِنْ ذُرِّيَّةِ الخليفةِ حَيٌّ، وستصبحُ قصورُهُ خرائبَ. كما لنْ يُوفِّروا المدينةَ. هي الأُخْرى سينْهبونَها."
د- تطوير الحبكة المسرحية بـمرافقة الفعل الذي يدور فوق الرّكح أو رواية الفعل الذي يدور بعيدا عن ركح المسرح.ومن الشواهد على النمط الأوّل من تطوير الحبكة المسرحيّة (مرافقة الفعل) قول الأمير عبد الله: أصْبَحت اللحظةُ مناسبةً للخطوةِ الحاسمةِ".أمّا النمط الثاني من تطوير الحبكة المسرحيّة (رواية الفعل) فالمثال الدال عليه قول الوزير :" أمَّا أنا فقد تخيَّلْتُ. منذُ فترةٍ وتحرُّكاتُ أخيهِ عبدالله تزدادُ وتتَّسِعُ. هو الدِّماغُ الذي يُدَبِّرُ كُلَّ شيءٍ. اتِّصالاتٌ بكبارِ التُّجَّارِ. رسائلُ إلى الولاياتِ. اجتماعاتٌ سرِّيَّةٌ بالخليفةِ "
الحكواتي :
غير أنّ سعد الله ونوس لم يقنع بهذه العناصر وإنما نصّب في صميم مهرجان العرض المسرحي قالبا فنّيا جدّد به التعبيراالفني والصياغة الجماليّة ألا وهو قالب الحكواتي لكنه لم يجترّ صورته التقليديّة وإنّما راهن على جعله القلب النابض في بناء أحداث العرض والرئة التي تتنفس منها اللعبة الدراميّة وبذلك تمّ له أن يؤسس المسرح على أصول احتفاليّة تعيده إلى جوهره وإلى منابعه الأولى بعد أن تم اختزاله في الركح الضيق التي يكتم أنفاس الممثل والمتفرج معا .
إنّ الظاهرة المسرحيّة هي في أصلها وبأبسط أشكالها : متفرّج وممثّل قد يندغمان معا في احتفال، أو يظلاّن الواحد منهما في مواجهة الآخر. ولكنّ المسرح يبدأ فعلا عندما يتوفّر متفرّجون يتابعون لعبة الممثّل، أو يشاركونه فيها. وغياب أحد هذين العنصرين فقط هو الذي ينفي الظاهرة المسرحيّة.
إنّ "مغامرة رأس المملوك جابر" لم تكتب لممثلين يتحرّكون في إطارها على خشبة المسرح وإنّما لقاعة المتفرّجين، فالحوار بين المتفرج في النّص والممثّلين على المسرح هو إيماءة وعلامة خفيّة لحوار مفترض في العرض المسرحي بين المتفرّج الحقيقي الجالس على الكرسيّ والممثّلين على خشبة ا
لمسرح.

Partager cet article
Repost0
22 avril 2010 4 22 /04 /avril /2010 14:57

ا الأستاذ : عماد الحاج ساسي

للمسرح أشكال متعددة ومتنوعة فمنها ما يتأسس على الهزل والإضحاك كالكوميديا ومنها ما يقوم على تصوير الانتصارات والبطولات وهو المسرح الملحمي ومنها ما ينبني على المآسي والفواجع وهو المسرح التراجيدي . وقد سعى الكاتب السوري سعد الله ونوس في مسرحيته" مغامرة رأس المملوك جابر " إلى الجمع بين الروح الكوميديّة التي تثير الإضحاك وتولّد الإمتاع وبين التوجه التراجيدي القائم في البناء الفني برمته قصد إثارة وعي الجمهور وبث الرسالة النقديّة. فما هي تجليات الروح الكوميديّة في هذه المسرحيّة ؟ وما هي مظاهر تحقق التوجه التراجيدي في بناء المسرحيّة ؟ وما الغرض منهما ؟ تجليات الروح الكوميديّة في المسرحيّة : تعرف الكوميديا بأنها فنون الهزل والإضحاك التي يرمي من خلالها الكاتب إلى شد الجمهور إلى المشاهد المسرحيّة ويتجلى هذا الجانب الكوميدي في مسرحية سعدالله ونوس من خلال شخصية المملوك جابر فقد بدت هذه الشخصيّة في المسرحية شخصيّة كوميديّة من حيث أقوالها وأحوالها وأعمالها . من حيث أحوالها : يبدو جابر في الطور الأوّل من المسرحيّة شخصية عابثة لاهية ساخرة تحط ّ من قدر كلّ شيء لا مبالية بما يجري من حولها من صراعات سياسيّة طاحنة وما يؤكّد ذلك هو قول الحكواتي عنه:" وكانَ عنْدَ الوزيرِ محمّد العبدلي ممْلوكٌ يقالُ لَهُ جابرٌ. ولدٌ ذكيٌّ.. وذكاؤُه وقَّاد. أيْنما حلَّ يحلُّ معه اللّهْوُ والمُجونُ. وكان كأهْل بغداد آخرَ مَنْ يَعْنيهِ ما يَجْري بيْنَ الخليفةِ وسيّدِهِ الوزير" من حيث أقواله : ينطق جابر بأقوال كوميديّة طافحة باللهو والعبث والسخرية، فهو يحطّ من قدر كل شيء بدليل قوله عن الوزير والخليفة :" إذنْ.. ليختلفا، وليفقأْ كلُّ منهما عيْنَ الآخر. لنْ أَلْطِمَ خدِّي، وأُمَزِّقَ ثيابي لأنَّ الخليفة والوزير مُخْتلفان" أو قوله :" قدْ تنفجرُ مرارةُ سيِّدنا الوزيرِ مِنَ الكمد، أوْ يتوقَّفَ قلْبُ مولانا الخليفة مِنَ الغضبِ. أمَّا نحن، فلنْ تنفجر لنا مرارةٌ، أوْ يتوقف لنا قلبٌ" . ولعلّ الجانب الكوميدي يتكثف أكثر فأكثر من خلال لغته الجنسيّة الماجنة، فهو يخاطب زمرد بلهجة شبقيّة إذ يشير إلى أنه لا يخشى شيئا في رحلته سوى أَنْ تُبالغ زمرد في التَّثَنِّي حينَ تسير في أرجاء القصر. عندها سيكتشفُ الوزير نفْسُه أَنْ لها إليتيْنِ تتلاحقُ لهما الأَنْفاسُ. هذه اللغة فيها كثير من الجرأة والتجاسر وهي لذلك تثير الضحك إنّها تخرق القيم والآداب وتميط اللثام عن المكبوت القابع في أعماق النفس . من حيث أعماله : إنّ هذه الأقوال تتناسب مع الأعمال التي تصدر عن جابر، وهي أعمال تجسّد البعد الهزلي في شخصيته فهو :" يفرُكُ مؤخِّرتهُ بباطن كفِّهِ، وكأنَّهُ يُساط فعلاً" ساخرا من منصور الذي يحذّر من مغبة التمادي في لامبالاته والاستهانة بكلّ عظيم وجليل . ومن الأفعال الكوميدية التي يأتيها جابر تقليده لحركات زمرد الأنثوية الطافحة بالإغراء في نظره فهي" تغْمِزُ، وتضْحَكُ، ويتثنَّى جسدُها مع الكلامِ حتَّى يَغْلي دمُ السَّامعِ " ولا يتردد جابر في تشبيه نفسه بالثور رمز الفحولة وهو يخور في حضرة الجسد المرمي المحرك لشهوته، يقول جابر:"في كُلِّ مرَّةٍ أراها تجعلنِي أخُورُ كالثَّوْرِ ". ← إنّ أفعال جابر وأقواله وأحواله تثير لدى الجمهور ضروبا من المتعة لحظة المشاهدة المسرحية وهو ما يفسر انشداد الجمهور إليه وتعاطفه معه طيلة أطوار المسرحيّة من بدايتها إلى نهايتها . لقد برع سعد الله ونوس في بناء هذه الشخصيّة، فجعلها مركز الثقل في البناء الدرامي وأسند إليها من المخاطبات والحركات ما جعلها تحيا أطوارا وأحوالا يتجسم من خلالها الجانب الكوميدي المثير . لكن هذه اللحظات الهزليّة سرعان ما تنقلب إلى لحظات جدية تمهد لانبثاق الإيقاع التراجيدي باعتباره النواة الدرامية للمعمار الفني برمته. تجليات التوجه التراجيدي في المسرحيّة : تعرف التراجيديا بأنّها ذلك الصراع الدامي الذي يؤدي في النهاية إلى الفاجعة بالموت. ولا تخلو التراجيديا عادة من فنون التزيين والزخرف الفني. وقد تجلى هذا التوجه التراجيدي في مسرحية " مغامرة رأس المملوك جابر " من خلال طابع الجدية الذي يغلب على طريقة سرد الحكواتي، فهو يؤطر الأحداث المسرحيّة بقوله :" وكان العصر كالبحر الهائج لا يستقرُّ على وضْعٍ." وتتلاحق الأحداث في المسرحيّة من خلال السرد أو اللوحات المتجسدة وتتسارع مؤذنة بدنّو الكارثة و هو ما يجعل الإيقاع الزمني أهم عنصر في بناء الفعل المسرحي وقد تجسم ذلك في الحوار الدائر بين الوزير و عبد اللطيف أو بين الخليفة و أخيه الأمير عبد الله. يقول الوزير :" ولا ينْبَغي أنْ نُضَيِّعَ وقتنا فيها. أمامنا فترةٌ قصيرةٌ مِنَ الهدوءِ. لكنَّنَا في سباقٍ مع الوقت" أما عبد الله فيخاطب الخليفة بالقول :" أصْبَحت اللحظةُ مناسبةً للخطوةِ الحاسمةِ." إن تكثيف معجم الزمن في الحوار المسرحي بين أطراف الصراع السياسي يدلّ على أنّ إيقاع المسرحيّة لم يعد إيقاعا متراخيا كما هو في المشاهد الكوميديّة التي أشرنا إليها سابقا وإنما متسارعا متوثبا من أجل كشف الأحداث القادمة عن صورة المأساة بألوانها . ولعلّ ما يكثف البعد التراجيدي الجاد في المسرحيّة الجوقة وهي في المسرح الإغريقي ناطقة باسم الشعب وتعلق على أحداث المسرحيّة وقد تجسّم ذلك في صورة أهالي بغداد امرأتان وثلاثة رجال حيث يتم أداء الدور بصورة جماعيّة أو بصورة فرديّة لا تخلو من إيقاع التناوب ومثال ذلك : الرَّجلُ الأول : يأْمرونَنَا بالبيْعَةِ. المجموعة: فنُبايـعُ. الرَّجلُ الثاني: ويأمُروننا بالطَّاعة. المجموعة: فنُطيعُ. المرأة الأولى: ذلك هو سرُّ الأمانِ في هذا الزّمانِ. هذا الصوت الجمعي يكثف من أجواء الجدية في المسرحيّة ويساهم بمعية الإيقاع الزمني وصوت الحكواتي في بلورة التوجه التراجيدي . لكن قمة التراجيديا تكمن في النهاية المأسويّة وهي على ضربين : مأساة فردية تتمثل في قطع رأس المملوك على مرأى ومسمع الجمهور ولا يخفى علينا ما في ذلك من القسوة والعنف كما هو الحال في مسرح أرطو ومأساة جماعيّة تتمثّل في سقوط بغداد تحت زحف جيوش التتار وقد برع سعد الله ونوس في تجسيم هذين المشهدين فوظّف كلا من الموسيقى ولعبة الأضواء والظلال والحركات الإيمائيّة ليجعل اللوحة المسرحيّة مؤثرة تأثيرا بالغا في الجمهور، وهذا التأثير لا هدف منه سوى تحريك مستنقع الوعي وهو ما يعرف بالبعد التعليمي القائم على التغريب، فالرسالة التي يهدف الكاتب إلى تبليغها هي رسالة ذات محتوى سياسي في المقام الأوّل.

Partager cet article
Repost0